ظهرت السياحة كنشاط طبيعي للإنسان نظراً لحاجته للتنقل والسفر من مكان إلي آخر وذلك إما لأسباب اقتصادية أو طبيعية واقترنت بالرغبة في التعرف على مناطق جديدة والاستمتاع بجمال الطبيعة في الأماكن التي يزورها . ومع تطور البشرية والنهضة التي شهدتها في العصر الحديث في النواحي العلمية والاقتصادية تطورت كذلك العوامل المحفزة للسياحة ونشأت أنواع عديدة للسياحة منها: السياحة الثقافية والعلاجية والشاطئية والبحرية والجبلية ... وغيرها من الأنواع ، وزادت الحركة السياحية نتيجة لتطور وسائل النقل .
ونظراً لأهمية قطاع السياحة في اقتصاديات الدول وإدراكاً منها لذلك فقد لاقي هذا القطاع مزيداً من العناية والاهتمام باعتباره أحد روافد التنمية الاقتصادية بما يدره من دخل من العملات الصعبة للبلدان المستقبلة للسياح ، وتشغيله لقطاع كبير من العمالة وكوسيلة لتعريف البلد لدى البلدان الأخري .
والسياحة في اليمن من القطاعات الواعدة ، فاليمن مهد الحضارات ويمتلك مقومات سياحية متنوعة ففيه من التاريخ ، والآثار ، والموروث الثقافي ، والمقومات الطبيعية ما يجعله بلداً سياحياً متميزاً ، ومما يشهد على ذلك تنوع العمارة الذي يجعلها تقدم نماذج رائعة لفنون معمارية ليس لها نظير في العالم ، وامتلاكه لشريط ساحلي متنوع هو الآخر وفيه أماكن للاستجمام ورياضة الغطس في غاية الروعة حيث يمتد هذا الشاطئ على البحرين العربي والأحمر، كما تمتلك اليمن جزراً وأرخبيلات تتمتع بمقومات الطبيعة الساحرة .
وقد حبى المولى سبحانه وتعالى اليمن بتضاريس متنوعة ترسم لزائرها لوحة شاملة وخلابة وخارطة طبيعة شاملة ، تجمع بين السهول والجبال الشاهقة والقيعان والأودية الخصبة، والتلال والهضاب والشواطئ والصحراء وبمناخ متنوع ساحلي وصحراوي وجبلي ، فانعكس هذا التنوع في الأرض والمناخ في تنوع ثقافي شمل عادات الناس الاجتماعية وأزياءهم وموروثهم الشعبي، بالإضافة إلى تنوع في المخزون الأثري لكل منطقة والناتج عن عراقة التاريخ والحضارة الممتدة في أعماق الزمن ، مما يضفي على اليمن تميزاً وخصوصية لما تمتلكه كثير من البلدان.
إن كل هذه المقومات تعطي اليمن فرصةً كبيرةً لتكون أحد البلدان الرئيسية في الصناعة السياحية بالمنطقة العربية ، ولكن ذلك يظل مرهوناً بتدفق الاستثمارات الكبيرة لهذا القطاع وإقامة مقومات صناعة سياحية تكون أحد المصادر الرئيسية للدخل وأداة من أدوات تحقيق التنمية المتوازنة وتدعيم أسس التكامل الاقتصادي بين مناطق البلاد المختلفة .
وللسياحة دورٌ أساسيٌ في إنعاش الاقتصاد الوطني، وهي الأداة لتحقيق التنمية المتوازنة ومعالجة الاختلالات التي يعاني منها الاقتصاد الوطني كالتضخم والبطالة. والقطاع السياحي أحد القطاعات التي يمكن له المساهمة في تحقيق نمو مطرد في الناتج المحلي الإجمالي ، وإيجاد فرص عمل وأحد مصادر الدخل للبلاد من العملات الصعبة كما أنه أداة جذب للاستثمارات الخاصة المحلية و الخارجية عربياً ودولياً. ولا يخفى أن الاستثمار في التنمية السياحية سيؤدي حتماً إلي زيادة في الطلب علي المنتج السياحي مما يعني ازدهاراً مؤكداً لقطاع السياحة في اليمن ، كما يعني ذلك أيضاً زيادة في حجم الحركة السياحية التي تؤدي بدورها إلي زيادة مماثلة في الإنفاق السياحي الذي يحقق الهدف الرئيسي والمتمثل في زيادة دخل البلاد من النقد الأجنبي نتيجة إنفاق السائحين.
ورغم أهمية قطاع السياحة وفرص نجاحه الكبيرة إلا أنه ما زال قطاعاً بكراً لم يعطِ ثماره المرجوة للاقتصاد الوطني وفقاً لما يمتلكه من مقومات حيث تمثل نسبة إسهامه في الناتج المحلي الإجمالي متدنية كما أن حجم ما يستوعبه من القوي العاملة منخفض. وتسعى الدولة لتحقيق تطور فعال في هذا القطاع من خلال خططها المختلفة التي تتجه لتوفير البيئة الاستثمارية الملائمة لنمو هذا القطاع وتنفيذ برامج الترويج السياحي وزيادة حجم أنشطته .
إنَّ ما شهده يمن 22 مايو1990م من تطورات اقتصادية واجتماعية أدت إلي تطور الحركة السياحة خلال عمر الوحدة المباركة ، حيث بلغ معدل النمو السنوي في حركة السياح القادمين من خارج البلد (18)% خلال الفترة (1997-2004)م ، وخلال السنوات الخمس الأخيرة حققت السياحة الخارجية معدلات نمو مطردة وتحديداً للسياح الوافدين من دول الخليج . ومع ذلك فإن نسبة مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي متدنية لا تتعدى (3)% تقريباً ، وهي لا تعكس قدراته وإمكاناته الاقتصادية الحقيقية.
إلى جانب ذلك فإن السياحة الداخلية هي الأخرى اتسعت وزاد حجمها باطراد ، ويبدو ذلك جلياً في الازدحام والاختناقات التي تشهدها المناطق السياحية والمنتجعات السياحية في المدن الساحلية وفي المحافظات التي تتواجد فيها أماكن للسياحة الطبيعية حيث يرتادها المواطنون بصورة مكثفة أثناء المناسبات الرسمية والأعياد وخلال فترة الصيف .
وفيما يتعلق بمقومات وإمكانات البنية التحتية لقطاع السياحة فقد تحقق تحسن طفيف في أعدادها وأنواعها إلا أن مستوى ما هو متاح منها مازال أقل مما يجب توفره بكثير ، فعلى سبيل المثال ارتفعت المنشآت الفندقية من(229) فندقاً عام (1996م) لتصل إلي(516) فندقاً نهاية عام (2004م) بمعدل نمو (125)% تقريباً ، وكان العدد الأكبر من الفنادق هو من فئة نجمة واحدة فما دون حيث بلغ عددها حتى نهاية عام 2004م (295) فندقاً وبنسبة (57 )% من إجمالي الفنادق .
وبالنسبة للمنشآت السياحية الأخرى ، فإنها وإن توفرت بنسبة محدودة ، فإن حجمها المتاح منخفض بالمقارنة مع تنوع وتعدد مقومات النشاط السياحي المتاح في البلد ، فمازال هذا القطاع يحتاج لإقامة العديد من المنشآت السياحية العملاقة والمتنوعة ، وفي مختلف المناطق السياحية التي يرتادها السياح ، وتأتي من بين أهم المنشآت المطلوب توفرها حسب المقومات السياحية في المناطق المختلفة : القرى السياحية ، منشآت خدمات الشواطئ ورياضة الغوص، والمنشآت المتعلقة بسياحة الآثار، الصناعات الحرفية ، ومؤسسات العرض والترويج الحضاري مثل: المتاحف الأثرية ، ومتاحف المخطوطات ، المعارض الدائمة للتراث والموروث الشعبي اليمني ، وغيرها من المنشآت السياحية ذات البعد الحضاري والثقافي، بالإضافة إلى مؤسسات تقديم الخدمات السياحية والترويج لها.
ومما سبق يلاحظ أن قطاع السياحة في اليمن مازال قطاعاً بكراً فيه العديد من المقومات التي لم تُستثمر ويحتاج إلى بنية واسعة من المؤسسات السياحية وخدمات السياحة المتنوعة وفرص نجاح الاستثمار في هذا المشروعات كبيرة إذا ما رافق ذلك تطوراً وتوسعاً في قطاعات الخدمات المساندة للسياحة مثل: النقل ،والاتصالات وتنفيذ برامج الترويج السياحي سواء كنشاط سياحي أو بين فئات المستثمرين لتحفيزهم على الاستثمار في هذا القطاع البكر والواعد .